مهاجر غير شرعي (6) العم توم

1 10 2011

         في مطار” كيتو” في دولة ” الاكوادور” أمسكت بالتليفون العمومي ، يحيط بي كل من الكفراوي وعدنان وراشدا ووضعت كمية من العملت المعدنية لا أعرف كم وضعت، وبدأت ضرب رقم مسعود الذي نحمله معنا،جائني صوت من الطرف الأخر،

–       الو

–       ألو ،ممكن أكلم مسعود لوسمحت.

–       مين معايا

–       احنا لسة وصلين من مصر

–       لحظة أديلك زاحد من بلدكم يكلمك

هكذاأجابني الصوت، واذا بصوت شاب يأتيني عبر أسلاك التليفون.قائلا

–       ازايك

–       كويس ، مين معايا

–       انتو فين

–       احنا في المطار

–       اخرجوا أمام المطار ، فيه موقف اتوبيس اتظروني هناك

وانتهت المحادثة ، غمرنا احساس بالاطمئنان ، فلن نحتاج الى الحديث مع أحد للسؤال عن عن معلومات أو اتجاهات، فمن الصعب الحديث مع أي أحد ، وكانت أهمية معرفة لغة أخرى وربما لقربنا من أوروبا كانت الحاجة دائما لمعرفة لغة أوروبية بعكس هذه البلاد التي تبعد كثيرا عن أوروبا فلا تحتاج الى تعلم لغة أوروبية أخرى.

          خرجنا خارج المطار نبحث عن موقف الاتوبيس ، فوجدنا مكان اعتبرناه موقف الاتوبيس وانتظرنا حوالي خمسة وعشرين دقيقة ، واذا بسيارة أجرة تتوقف أمامنا ويخرج منها ، حسن شاب في الثامنة عشر من العمر من سن أخي الصغير ، أعرف ملامحة انه من قريتنا ، طويل القامة كستنائي الشعر يميل لون شعرة الى الصفرة الخفيفة ، نحيف ، دائما يتحرك في حيوية وسرعة كأنه يجري من شيء. سلم علينا بحرارة وبدأ يصدر النكات وخصوصا الى راشد الذي هو من سنه ويعفون بعضهم البعض ، لكن شتان بين راشد الساكن الخامل وحسن كما يسميها أبناء قريتنا ” مدردح” وبيت حسن قريب من بيت عدنان فيعرفون بعضهم البعض.

صار لحسن الأن سنة في طريقة الى أمريكا، وقد أنفق خلال هذه السنة اثنتي عشر ألفا من الدولارات ومازال في ” الاكوادور” ربما سوء توفيق ، أو طيش ولعب من جانبه. وهو في هذه البلاد مازال يدبر حاله لاستكمال الرحلة . فحسن ابن الثامنة عشر مر بتجارب جعلته يعيش سنا أكبر كثيرا من سنه ، ولكن بداخله مازال الصبي الذي يمرح ويلعب ويلهو.

         ركبنا السيارة الأجرة التي قطعت بنا شوارع ” كيتو” حيث لا يبعد المطار عن المدينة ، وكانت أهداب ظلام الليل تتمدد علي المدينة ، سألت حسن :

–       على فين احنا ريحين

–       على الفندق الي هتنزلوا فيه

–       مش هنأبل مسعود

–       بكره

وصلنا الى الفندق ترجمة الأسم الى العربية ، فندق الفخامة فرق شاسع بين فنادق القاهرة وفنادق ” كيتو” ، حيث فنادقها متواضعة وليست بفخامة وأبهة الفنادق عندنا . حاسبت التاكسي وكانت الأجرة عشرين ألف ” سوكروس” حوالي ستة دولارات.

داخل الفندق أما مكان الاستقبال ، سأل حسن ان كنا غيرنا دولارات ، أجبته مبلغ صغير . طلب مئة دولار ليحجز لنا في الفندق ز

حجزنا غرفة والحدة لنا نحن الأربعة ، بها أربعة أسرة، الفندق عبارة عن مبنى من خمسة طوابق والخدمة فيه غالية ، أقول ذلك بالرغم أننا لم نألف بعد نظام العملة في البلاد وقيمتها ومقارنتها بقيمة العملة في بلادنا . فكانت قيمة الدولار هي دائما الوسيط .

          صعدنا الى الغرفة بها حمام وتليفزيون وتليفون ، حجرة مناسبة ، بدأنا تغيير ملابسنا ،وأخذت حمام دافيء كان جميلا لأنه أتى على شدة احتياج ، لكننا الأن جوعى وحسن كان قد رحل ، ونحن نريد أن نمسك على المصاريف فلا نعلم ماذا تخفي لنا الأيام.فتحت حقيبتين التي شحنت في باطن الطائرة ، حيث السيدة الوالدة بالرغم من مفاجئة خبر سفري ثلاث ساعات قبل السفر كانت قد جهزت بعض اللحوم التي نشفتها جدا حتى تستمر الى فترة أطول دون الحاجة الى وضعها داخل ثلاجة ، وكيس من كعك العيد الذي كانت تجهزه من يومين قبل سفري ، وحلويات من حلويات رمضان. فكان ذلك هو عشلءنا الأول في ” كيتو” وشاهدنا التليفزيون ” الاكوادوري” وان كنا لا نفهم شيئا الا اننا كنا في غمرة السعادة بنجاح المرحلة الأولى من رحلتنا الى بلاد العم سام.بالرغم من تغيير مكان نومي ، الا أنني من فرت التعب وطول ساعات السفر ، استسلمت للنوم.

 

        صباح يوم الثلاثاء ، الرابع من فبراير ، الثالث والعشرين من شهر رمضان، استيقظت بعد نوم عميق ، بعد يوم الاثنين الذي طال الى ثلاثة وثلاثين ساعة .في غرفتنا بفندق الفخامة ، التي ايجارها في اليوم تسعين ألف “سوكروس”. وعبر مشاهدة جهاز التليفزيون الموجود في الغرفة ، أشاهد برامج الصباح في التليفزيون ” الاكوادوري” ، برامج راقصة ، والرقص في هذه البلاد كالاكل والشراب بل كتنفس الهواء ، العجيب أن كل خمس دقائق يُقطع البرنامج وتقدم فقرة أعلانية.

يالها من مسابقة عجيبة جذبت أنظارنا الى التليفزيون بالرغم من حاجز اللغة ،، الا أن البرنامج يتحدث لغة انسانية فصيحة ، لغة الاثارة والشهوة، فهذه فتاه شابة جميلة في المسابقة، كلما تخطيء في اجابة أحد أسئلة مقدم البرنامج،عقوبتها أن تخلع جزء من ملابسها، واستمرت الاسئلة واجباتها، حتى لم يبق الا ملابسها الداخلية الحميمة . فلم يتوقف المسابقة بل استمرت خلف حاجز زجاي ، يجعل المشاهدين مشاهدة ما يحدث خلفه بوضوح مذبذب، تجيب على الأسئلة حتى خلعت كل ملابسها حتى الحميم منها ، ويظهر جسدها العاري . وكذلك فعل الشاب الآخر ، الشاب البليد ، الذي لم يستطع اجابة أي من الأسئلة التي وجهت اليه، لا أعرف أهذه عقوبة ، للجهل ، أم جائزة فكلما ازددت غباءا وجهلا تنال من المتع الحياة. اللهم اني صائم.

        لا تشرب من ماء الحنفية ، هكذا أرشدنا حسن ، وعلينا أن نشتري الماء، فماء الحنفية غير صحي ، يستخدم فقط في الاستحمام، كذلك تناول الطعام في الفندق غالي الثمن ، وخصوصا نحتاج الى التوفير، وبالأخص أنا ، على كل حال أنا نويت الصوم اليوم ، وسيكون افطاري كعك العيد الذي حملتني والدتي عند خروجي من البيت.

        في حوالي الحادية عشر ،جاءنا حسن في الفندق، أخبرته أننا لا نريد أن نرحل من ” الاكوادر” في أسع وقت ، فما هي الخطوة التالية.

–       تروحوا ” كوستاريكا”

–       ماشي عايزين نقابل مسعود

–       مسعود مشغول وطلب مني أن أخلص أموركم

–       والمطلوب

–       تأشيرة “كوستاريكا” تتكلف مئة وخمسين دولار للفرد، وراشد سنه صغير ممكن يرجع من المطار ،فلازم يكون حد كبير معاه.

تشاورنا في الموضوع داخل غرفتنا في الفندق ، واستقرينا على أن أذهب أنا مع راشد ، ويذهب كل من الكفراوي وعدنان معا، ودفعنا  225 دولار لحسن تحت الحساب ، لتخليص تأشيرات ” كوستاريكا” لنا وقد وصله بالأمس 75 دولار، قال أنه سوف يغيرها لعملة البلاد.

       لم نبرح غرفتنا حتى اتصل موظف الاستقبال ، أن عاملات التنظيف يحتجن الدخول الى الغرفة لعمليةالتنظيف اليومية ، وتغيير أغطية السرائر،قرت أن نزل الى الاستقبال وظل الباقيين في الغرفة ، بالرغم من اخباري لهم عن عملية التنظيف.

في مدخل الفندق ، تعرفت بموظف الاستقبال في الفترة الصباحية ” لويس” فهو يتحدث الانجليزية ، أول شيء لمح له” لويس ” ان كنت احتاج الى مرافقة، لا أعرف لماذا فاجأني ذلك ، فمازلت لم أخذ على التصور أنني في نظر ” لويس ” وغيرة سائح مع أموال أتى من بلاد بعيدة للاستمتاع في بلادهم، ولكني في احساس امتسلل الذي يحتاج أن يوفر كل مليم لما تخفيه الأيام . سألت ” لويس” عن تغيير بعض الدولارات فذكر أنه يمكن أن يغيرها لي بسعر أفضل من سعر البنك،وأعطاني كرت باسم وعنوان الفندق ، وعلى ظهرة خريطة بموقع والشوارع المحيطة بالفندق.

       نظرت حولي في الدور الأرضي من الفندق ، هناك مطعم وبار الفندق ، وكذلك منطقة انتظار بها بعض الكراسي، يجلس رجل في حوالي العقد الخامس من العمر طويل بائن الطول، تدرك طولة بالرغم من جلوسة ،أبيض ممتليء الوجه خفيف الشعر ، الذي بدأت يدق في فروة رأسه موضع للصلع ،ذو شارب ولحية مهذبتين، معتني بهما مصبوغتين بمزيج خفيف بين الشعيرات البيضاء وخصلات لون الحنة في مزيج يضفي وقار وهيبة، يجلس في غرفة الانتظار، تتدلى نظارته على أرنبة أنفه يقرأ في جريدة.لا حظت أنها بالانجليزية ، جلست بالقرب ، وبعد لحظات بدأنا في تبادل عبارات التحيةوابتعارف.

اسمه ” توم “وهو أمريكي يقيم في مدينة “أكلاهوما” في ولاية ” كلورادو” ، انها المدينة التي حدث انفجار مركزها التجاري ، على أيدي بعض الأرهابيين الأمريكيين ، المنتمين لجماعات النازيين الجددالأمريكية بواسطة الارهابي ” تيم مكفاي”. الحادث الذي قتل فيه أكثر من مائة وخمسين شخصا.

” توم” في رحلة سياحة “للاكوادور” ، يعود بعدها الى أمريكا ، لم أذكر ” لتوم” أنني أقصد أمريكا عبر أسلاك الحدود ، ولكن ذكرت له أنني أتمنى أن أدرس في الولايات المتحدة ، لكن تكاليف الدراسة غالية ،فأجاب بأن هناك برامج للتبادل الثقافي والتعليمي ، ومنح داخل الولايات المتحدة ،حيث أن زوجته تعمل في مجال التعليم.

قلت في نفسي، ” ياريت يعم توم” ماكنا سافرنا هذه الأميال وعبرنا تلك القارات والبلاد وتلك التي سوف نعبرها لو فقنا، والأموال التي لا نعرف قدرها ، سوف تحتاج اليها ، هكذا حدثتني نفسي.

تبادلنا المعلومات الشخصية ، فأخذ عنواني في مصر، وأعطاني معلومات الاتصال به ، لو توفر أمامه فرصة لي للدراسة في الولايات المتحدة. توم هو أول أمريكي أقابله وأتبادل مع الحديث، لم متغطرسا أو متعاليا في حديثه ، بل لين الجانب وأخبرته أنني هنا لاكتشاف ودراسة أسواق “الاكوادور”، ومدى استجابتها للمنتجات المصرية ، وسوف أكتب تقريرا عن عادات وتقاليدوثقافة البلاد.لا أعرف من أين أتت ألافاظ اللغة الانجليزية فلقد استفضت في التعبير عن المهمة الاقتصادية والاستكشافية وعن أهمية ذلك لقوة مصر الاقتصادية الصاعدة ، وأن هناك العديد من الشباب مثلي يجوبون الكثير من بلاد العالم في نفس المهمة.

بل لقد اسفضت في الحديث عن التغيرات المؤمولة في طبيعة الدولة المصرية، ومثال ذلك وزير الخارجية النشيط الذي يجدد وزارة الخارجية المصرية في عملية كبيرة لم تحدث منذ أيام نظارة نوبار باشا في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ، والوزير محمود فوزي في القرن العشرين .

لاأعرف لماذا قلت ذلك وكأن شيطان قد تلبس روحي وسيطر على صوتي ، ولا أعرف ان كان العم “توم” فهم أي شيئ مما قلت.

 


إجراءات

Information

تعليق واحد

2 03 2015

أضف تعليق