مهاجر غير شرعي (4) الى لقاء يا مدريد

29 09 2011

4- الى لقاء يامدريد

           داخل صالة الانتظار في مطار مدريد ، تجدد الجدل بين محمد الكفراوي وعدنان ،فلم تتح لهم رحلة الطيران من القاهرة لمدريد من الكلام فقد كانت مقاعدهم تبعد عن بعضها الأخر، فها هو محمد يتبع عدنان في كل مكان في الصالة يعاتبه ، ومحمد لحوح الحاح ممل ،طبيعة الشخص الذي اذا وجد موقف ولا يعرف كيف يتحرك من هذا الموقف ولا كيف يتطور مع الموقف ، فيظل يكرر نفس الشيء ، مرات ومرات بلا ملل.من جانب آخر عدنان هذا الشخص الذي لا يهتم بما يقول الأخرون فكل شيء عنده بالجزمة ، فسوف يدوس على هذا الشخص بالجزمة وسيضرب ذلك بالجزمه ، وهذا الموضع في جزمته، وحينما تنظر الى جزمته تجد أنها هي الأخرى تصرخ من رائحة قدمية.بالرغم من هذا كانت علاقتهم ما تستطيع أن تقول شغاله ، من الطرفين .

فقد هناك حاجز ما بيني وبينهم فهم يعرفون بعضهم البعض ، من قبل وكانوا على علاقة ما أما أنا فهذه أول مرة أرى محمد ، وهي الأولى التي أتعامل فيها مع عدنان وراشد . لكن كان هناك حاجز آخر ، نحن من نسمي أنفسنا المثقفين ، الذين نقرأ الكتب الفلسفية التي لا يعرفها العامة، ونستمتع بالفنون الراقية، ننظر دائما الى العامة والدهماء نظرة احتقار والى الفنون التى يستمتع بها العامة نظرة تضع من قدرها ، شعرت هذا الحاجز بيني وبينهم .لكن نحن الأن في نفس الطريق لابد أن نسكن معا فسوف نواجه ما يخفية الغيب معا.

 

           بعد ساعات الانتظار في صالة الانتظار بمطار مدريد ، حان موعد أن نستقل طائرتنا في طريقها ” الاكوادور” ، حان موعد مغادرة أراضي قارة أوروبا كلها . كنا حوالي الظهيرة بتوقيت مدريد ، مازال هناك ساعاتان على موعد انهاء صومي حسب توقيت القاهرة، توجهنا الى بوابة الدخول ،فاذا بنا ندخل الى ممر من الصالة الى داخل الطائرة ، بنفس مطار القاهرة الجديد ، فاذا كانت عندهم هذه الخدمة فلماذا لم تقدم الى طائرتنا القادمة من القاهرة ، فهذه الأرض كانت تحت حكم أجداد لنا لثمانية قرون ، وها نحن نعامل على أننا ارهابيون، عجيبة هي أوروبا في تعاملها معنا ، والأعجب هو تعاملنا معها فنجعل كل جديد في خدمتهم حتى ننال اعجابهم ورضاهم ، ومازالوا ينظرون الينا من أطراف أنوفهم.

دخلت الطائرة ، واذا بها طائرة ضخمة ، حجمها ثلاث مرات حجم الطائرة التي حملتنا من القاهرة ، عريضة وبها شاشات تلفزيون، وكذلك خريطة عريضة للمحيط الأطلنطي. جاء مقعدي بجوار سيدة ، تبادلنا بعض التحيات بالانجليزية ، وكانت انجليزيتها أكثر تضعضا من انجليزيتي،، فلغتها الأولى هي الاسبانية ، فدار في ذهني هل تشعر هي بنفس الشعور الذي نعيشه في بلادنا ، أننا علينا أن نتحدث لغة أجنبية أخرى بجوار لغتنا الأم ، حتى يقال علينا مثقفين ، أم هي لا تهتم البته بتعلم لغة أخرى ، وتستمتع بلغتها الأم وتتفاخر بها دون احساس بالنقص.على كل حال انقطعت سبل التواصل بيني وبينها.

          دقائق بعد اقلاع الطائرة، أتى محمد الى حيث أجلس وطلب منى أن أجلس بجوارة ان أمكن ، وأن أطلب من السيدة التي تجلس بجوارة ان كانت توافق على الانتقال الى مكان جلوسي ، فكلمتها وكانت تتحدث الانجليزية بطلاقة ، ورحبت السيدة على الفور ، فانتقلت بجوار الكفراوي، في وسط الطائرة ، وكان عدنان وابن اخته راشد يجلسان في مكان ما بمؤخرة الطائرة .ها نحن نعبر المحيط الأطلنطي هكذا تشير الخريطة الكهرابائية التي تصور الطائرة عابرة للمحيط على الخريطة ، فيكون عندنا تصور أين نحن ، والشاشة تشير بالأرقام الى على أي ارتفاع نحن من سطح الماء، وكان عدد كبير من الأرقام ، وكذلك على بأي سرعة تطير الطائرة ، وكانت أرقام تجعل القلب يرتجف.

الجلوس في هذا الأنبوب الطائر يذكرني بطائرتنا التي كنا نستقلها ونحن صبية في القرية، كان هناك مشروع لا أعرف ماهو، وان كنت أتصور أنه مشروع عمل زوارق لصرف مياه الري، في حقول القرية في حالة غمر الأرض بالمياه ، وكانت اسطوانات الخط ، اسطوانات ضخمة من البناء الأسمنتي الخرساني ، فتم المشروع وتركت بعض من هذه الاسطوانت الخرسانية الكبيرة في القرية فكنا ندخل بهاونحن صبثية نلعب ، ونمثل، ونتصورها سيارات نقودها أو طائرات نحلق بها في السماء ، وان كانت لا تتحرك قيد أنملة ولكن يخيالنا كنا نجعل الصخر يطير ، فها نحن داخل انبوب معدني أخر يطير بنا ، لا أعرف لماذا تذكرت وشعرت بنفس الشعور ، ولكن الفارق أن الواقع الذي نعيشة أصبح أكثر خيالا من خيالا الذي كنا نعتبره جامح ونحن صبية ، لقد تداخل الواقع مع الخيال فأصبحنا لا نعرف ما هو خيال وما هو واقع.

        بدأت شاشات العرض داخل الطائرة التي تنتشر في أماكن مختلفة من الطائرة، تعرض فيلم أمريكي” امغامرات مجموعة من الضباط والجنود الأمريكيين في حرب اخراج جيش صدام حسين من الكويت، يصحب الفيلم ترجمة اسبانية ، وفي الفيلم مشاهد العرب السذج ، وتصرفاتهم الرعناء، وبالرغم من أنني لا أفهم لغة الفيلم ، الا أنني أشعر أنني أفهم كل لقطة من لقطاته وكل همسة من همسات ممثليه. لأنني أعيش وأعرف الواقع  الذي يمثله الفيلم .ولم يكن أي من هؤلاء الركاب يعيش هذه الوقائع ولا عنده الخلفية التاريخية لأحداث الفيلم .

ان معظم ركاب الطائرة من أسبانيا أو من دول أمريكا الاتينية ، وهناك شعور بالضغينة من كثير من سكان أمريك الاتيتنية ضد الهيمنة الأمركية على أحوال دولهم ، لكن في نفس الوقت هذه الشعوب تأخذ الكثير من تصوراتها عن الشعوب الأخرى من الاعلام وصحافة وأفلام أمريكية ، فالاكوادوري أو الكولومبي يأخذ تصوره عن من هو الصيني أو الياباني أو العربي من الافلام الأميركية، فما يعرفون عن العربي يأخذونه من هذه المشاهد في هذا الفيلم وغيره ماهو الا انسان يلبس عمامه ثري ثراء فاحش ، وكل ما يجري وراءه هو الاشباع الجنسي ، وعلينا نحن المتحضرين أن نحمي العالم من عبط هذا الشخص ، بل نحميه هو الآخر من جيرانه ومن القبائل الأخرى التي تعيش خارج التاريخ .

قطع حبل أفكاري هذه وتسلسلها المقيد، المضفين والمضيفات الذين بدأو المرور لسؤال الركاب عن اختيارتهم من وجبات الطعام على الطائرة، وحسب ساعة يدي على توقيت القاهرة  ، مازال بعض الوقت على موعد افطار شهر رمضان، فحسب الامساكية التي أحملها ، والتي تعود حقوق طبعها ونشرها محفوظة بموجب القانون 132 لسنة 1949 لدار ايزيس . فطلبت من المضيف ان كان ممكن أن يؤجل وجبتي لبعض الوقت ،لاني صائم ولا أستطيع أن أكل الأن .

لا أعرف ان كان الكفراوي  صائم أم هو فقط يجاريني ، حرجا وتقربا ، حيث مازال يحمل ضغينة داخله من اخفاء عدنان عنه أنه هو أيضا مسافر ، وقد كان جدالهم داخل صالة الانتظار في مطار مدريد ، ومن هنا بدأت تتكون مجموعتين عدنان وابن أخته وأنا والكفراوي .مجموعة المحظوظون حيث هناك من يتابع رحلتهما وجاهز لنجدتهم في أي وقت ، والدولارات جاهذه لحرلتهما ، وبدل الأخ أربعة في نيويورك وبدل ابن العم هناك أورطة منهم، والمجموعة الأخرى مجموعة القلق والترقب والتوكل على الله أولا وعلى الحظ ثانيا.

         لم يكن هناك ما يمكن أن نتكلم فيه أنا والكفراوي ، فقد كنت طوال حيغاتي منطوي على نفسي ، لم أكن اجتماعيا ، ولا أجيد الثرثرة ، ولا الحديث في كل شيء والاشيء، أقرأ الجرائد منذ سن الاحدى عشرة ، ولم أجلس مرة في حياتي ، لأحل الكلمات المتقاطعة ، لم ألعب الورق أو الطاولة ، كان الناس في قريتنا وخصوصا في أفراد عائلة أمي يعشقون كرة القدم ، وكانت مباريات فريقي الأهلي والزمالك معارك ومنسبات يتجمعون عليها في بيت جدي ويكون الصياح والنقد والتعليق على هذا اللاعب أو تلك اللعبة ، متعتهم ، وكان التعصب شديد لكرة القدم ، ولكنني لم أتعصب يوم لفريق ، بل كنت أشاهد فقط بعضمباريات الفرق القومي المهمة فقط ، ولم أشعر في يوم ما أني أعرف في كرة القدم كما كان يفعل بعض أبناء خالي فيتحدثون عن خطط هذا المدرب وخطط ذلك الفريق .

لم أهتم بأخبار الفنانين والفنانات، وفضائحهم التي تمتليء بها الصحف والمجلات ، كنت أذهب الى المناسبات العائلية بصعوبة ، وحينما أذهب أسمر في مكاني لا أبرحه. كنت أتصبب عرقا اذاتحدثت الي فتاه . لم أكن كأبناء سني أعاكس الفتايات، كنت أرى هذا تقليلا من قيمتي ، وارضاء لشهوات الفتايات أنهن مرغوبات ، فلم أكن أفعل ذلك .

         على العكس مني كان محمد الكفراوي، فهو متزوج وزوجته حامل في ابنه الأول ، وهي على اهبة الوضع خلال أسابيع ، بعد أنهى الدبلوم سافر الى بعض الدول العربية فقد سافر الى الأةردن وعمل في لبنان. وكان ينطق بعض الألفاظ بلهجات أهلها.يتظاهر دائما أنه ، زير النساء ، يحاول أن يظر أنه أنيق وأنه لا تهمه النقود ويشتري الأشياء مهما كانت غالية ، أحيانا بدون حساب .تبادلن الحديث في بعض الأمور الشخصية وكان هو المتحدث أكثر مني وكنت أنا المستمع.جلسنا ولم نبرح أماكنا.

       على العكس منا كان عدنان ، فكان أكثر تحررا ، وأقل تكلفا ، فلا يعباء ، بتصور الناس عن تصرفاته، الأجانب الذين لا نريد أن نُحرج أمامهم.وماذا سيتصورون عنه وعنا. وأنا أهتم بأن نعطي صورة جيدة عن بلادنا وخصوصا بعد هذا الفيلم الذي عُرض على ركاب الطائرة ، والصورة التي صورها عن العرب ، وكيف يتصرفون، ولكن الى متى سيظل هذا القيد الذي أقيد به نفسي ، فنحاول أن نقلد الغرب لأنه مثال التقدم والحضارة ، فنلبس كما يلبسون ونأكل كما يأكلون ونتحدث كما يتحدثون.

على العكس منا كان عدنان ، بل كان متحررا من كل ذلك وحتى لا يعبأ بحكم الصوم ، فهو يشعر بالجوع يأكل ، ويشرب اذا عطش. بداخل الطائرة بدأ يتبع فتاه من راكبات الطائرة في حوالي السابعة عشرة من عمرها ، تتجول حاملة كأس الخمر في يديها ، وقد أطلق عليها الراقصة ، ربما لأن الزي الذي تلبسة مفتوح يظهر من جسمها أكثر مما يستر.انتقل خلفها حيث ذهبت الى المقاعد في الخلف المخصصة للمدخنين لتدخن سيجارتها.وربما لأنه يريد أن يدخن هو الأخر ، على البعد أراها تضحك ، لا أعرف لماذا؟ وكيف لعدنان الذي لا يعرف كلمة بالأسباني أو بالانجليزي ، يتفاهم معها ، سبحانه جعل المصريين يُنطقون الأحجار.


إجراءات

Information

أضف تعليق