مهاجر غير شرعي (3) تبديل في مدريد

28 09 2011

3- تبديل في مدريد

          دخلت الطائرة في سديم من ظلام الليل، ولم تعد هناك أنوار ولا لأضواء ، يجلس بجواري أسعد ، في طريق عودته الى عمله بالولايات المتحدة، وسوف يستقل الطائرة من مطار مدريد ، أنم أيضا في طريقي الى ألولايات المتحدة ، ولكن عن طريق الوصول جنوبا في غرب قارة أمريكا الجنوبية ، أمريكا عبر “الاكوادور”.ألاف الأميال ، فالتقدم لايقاس دائما عن طريق المنطق، فأحيانا التقدم له منطقه الخاص . فأقصر مسافة بين موضعين أحيانا تكون خطوط كثيرة ومنحيات وتعرجات ، وليس دائما خطا مستقيما.

        احساسي بالغيرة من أسعد ، وكذلك احساسي بالضعف وقلة الحيلة ، فقد خجلت أن أخبرة أنني في طريقي للتهريب لدخول أمريكا ، بينما هو ذاهب مباشر اليها، ولم أستطع أن أخبرة أنني في طريقي اى ” الاكوادر” لأنها البلد الوحيد في تلك المنطقة ، التي لا تطلب منا تأشيرة دخول مسبقة للدخول اليها ، بعدما أُغلقت تأشيرات الدخول الى كل من المكسيك أمام أبناء قريتنا تحت ضغط السلطات الأمريكية . وتبعها دولة ” جواتيمالا” حينما اتجه اليها الشباب من أبناء قريتنا.وكذلك حدث مع “سان سلفادور” و” هندوراس” ” ونيكارجوا” و” بنما” . فلم يعد أمامنا الا ” الاكوادور” حيث نحصل على تأشيرة الدخول في المطار.

نظرت الى ساعة يدي التي تركتها على توقيت القاهرة ، فأستطيع أن أحدد موعد امساكي عن الطعام و الشراب ، لاستكمال صوم شهر رمضان حسب توقيت القاهرة . فلن أأخذ برخصة الأممة في اباحة افطار المسافر . رغبة في أن أقترب من الله في هذه الظروف التي نحتاج فيها الى التوفيق ، في مسعانا الغير قانوني، حيث أننا أُناس أخيار لانبغي الشر ، ولكن دُفعنا الى ذلك دفعا ، فكل هذا ليس بأيدينا ، ولكن فرض علينا.

         هذه أول مرة في حياتي أن أكون بطائرة ، جلست في مكاني لا أبرحه ، لا أعرف هل هو الخوف أن أفعل شيء خطاء ، أو خجل من أن أتصرف بطريقة غير لائقة ، تعطي صورة سيئة عن أهلنا وبلادنا ، علينا أن نكون متحضرين . وخصوصا ان كنا في رحاب الخواجات ، فما بالك ان كنا على احدى شركات طيرانهم.كذلك كان حال محمد الكفراوي الذي كان يحاول أن يظهر أنه ابن ناس ، وليس من العامة ، وراشد الذي جلس هو الآخر في مكانه ، الوحيد الذي كان حرا وطليقا فينا من هذه القيود ولم يبالي برد فعل أحد كان عدنان، الذي أصبح يتجول وينتقل بين مكان جلوسي في مقدمة الطائرة وبين مكان جلوس محمدالكفراوي في الخلف، وكنا نحن المتعلمين ننظر الى عدنان لأنه لم يكمل تعليمي الابتدائي همجي وجاهل، ولكن في الحقيقة كنت أتمنى أن أكون في حرية عدنا وعدم اعتنائه بكيف يرى الخواجات تصرفاتنا، فلنكن على طبيعتنا وسجيتنا ، كما يفعلون هم في بلادنا . لكنها عقد التعليم والثقافة التي تربينا أن الحضارة والتقدم في الغرب وعلينا أن نصبح نسخ منهم لكي نكون متقدمين مثلهم . كم أتمنى أن أتحرر من ذلك . لكني لصقت في مقعدي .

 

      بعد عدة ساعات كانت قليلة ، لكن كانت صعبة حيث ذهب أسعد في رحلة نوم ولم أستطع أن أغفل ، فعندي تلك العادة السيئة لا أستطيع أن أغفل اذا غيرت مكان نومي ، فأحتاج حوالي ليليتين كي أتعود على المكان الجديد ، فأنا طوال الربع قرن الذي عشته في قريتنا لم أنم خارج بيتنا الا مرتين طوال عمري ، حينما ذهبت الى معسكر أسبوع تبع مركز الشباب والرياضة ، في الأسكندرية وأسبوع آخر تبع الجامعة في مدينةالاسماعيلية. توقفت الطائرة، حوالي عشرين دقيقة ، حيث نزل بعض الركاب ودخل أخرون ،عرفت بعد ذلك أنه مطار برشلونة، اسأنفت الطائرة رحلة الطيران لمدة ساعة أخرى .

حمد الله على السلامة يأسعد. هكذا خاطبت أسعد وناديت على محمد الكفراوي وعدنان وراشد للاستعداد للنزول من الطائرة،لقد وصلنا الى مطار مدريد في اسبانيا، كانت الأمطار تتساقط بغزارة ، يمكن ملحظتها من شباك الطائرة ، غزارة لا نألفها في قريتنا، اتجهت الى باب الطائرة في طابور الركاب ، واذا بموظف يلبس زي رسمي بباب الطائرة ، يطلب مني جوارز سفري . والغريب أنه طلب جوزات سفرنا نحن فقط ، من قريتنا ومن الكفر المجاور لنا.فلم يُطلب من أسعد .ربما قد أبلغ أحد الحاسدين من قريتنا السلطات الاسبانية بعملية تهريبنا ، بالطبع أنا أمزح لكن هناك محاولات تمت من قبل أن ينزل شخص من قريتنا مطار مدريد ليغير الطائرة الى بلد آخر ، فيهرب لدخول اسبانيا في طريقة الى ايطاليا أو هولندا . فأعتقد أنه لهذا السبب . ولكن أن يكون حاملي جوازات السفر من قريتنا والكفر المجاور لنا وليس كل من يحمل جواز سفر مصري .فهل نحن صيتنا قد وصل الى أسبانيا.

كان شعور بالخجل، فكحل الركاب وخصوصا المصريين منهم ينظرون الينا وكأننا سوءة في وجوههم ، أو كأننا خلية ارهابية قد تم القبض عليها ، وكل ذلك قبل حادثة اختطاف الطائرات واستخدامها كسلاح في عمليات انتحارية.نزلنا درجات السلم فهم يستخدمون التكنولوجيا الحديثة التي تركنها في مطار القاهرة ، ففي الوقت الذي نوفر التكنولوجيا الحديثة وندفع فيها دمائنا لكي نعجب الخواجات. فها هم يستقبلوننا بالتكنولوجيا القديمة ويأخذون جولزات سفرنا دونا عن كل خلق الله. استقلينا الاتوبيس الى صالة المطار ، ودخل معنا الموظف حاملا جوازات سفرنا ، فأشار الينا أن بالانتظار ، وقد انصرف كل ركاب الطائرة الى داخل الصالة ، وانتظرنا بجوار أحد الأبواب ، وبعد عشرة دقائق خرج الموظف وأعطى أحدنا جواز سفرة وكل خمسة دقائق يخرج جواز أخر. حتى سُمح لنا نحن الأربعة بالدخول والصعود الى صالة الانتظار في الدور العلوي من الصالة.

       هكذا رحبت بنا أوروبا في أول نخطو فيها على أرضها ، على كل حال . داخل صالة الانتظار التي علينا أن ننتظر فيها حوالي ست ساعات ، حتى موعد الطائرة الأخرى التي ستعبر بنا المحيط الأطلنطي، في طريقنا الى ” الاكوادور”. صالة الانتظار صالة كبيرة أكبر من الصالة التي تركناها في مطار القاهرة ، تعج بالحركة ، ترى فيها وجوه من كل بقعة من بقع الأرض ، ويالها من صالة في صباح يوم من أيام شهر رمضان ، حيث الصيام ، وغض البصر عن هذه الألوان والموضات في أزياء النساء والصالة مكيفة الهواء فلا شعور ببرودة الطقس وغزارة الأمطار بالخارج، بالداخل تقصر أزياء النساء جدا كلما ارتفعت درجة حرارة الصالة.

هل هذه هي الصالة التي ، تسرب منها بعض الشباب من أهل قريتي الأسبوع قبل الماضي ،حيث حصلوا على تذاكر طيران الى دولة ” كولومبيا” وفي طريق عودتهم من ” كولومبيا” الى القاهرة تسربوا الى داخل اسبانيا في طريقهم الى ايطاليا ، وهم في مدينة ميلانو الأن، حيث قدراتهم الاقتصادية لا تأهلهم لرحلة أمريكا حيث تكاليفها أكبر من رحلة ايطاليا ، حيث أصبح التقسيم الطبقي في قريتي الأن ، طبقة الأمريكان وهي الطبقة العلى حيث اقتصاد أمريكا أقوى وأفضل ، ويستكيعون عمل أموال أكثر من أقرانهم ، المتسللين الى اليطاليا وهم الطبقة الثانية ، وتأتي بعد ذلك طبقة المسافرين الى الدول العربية .

حتى أن أراضي ابن الباشا التى عادت اليه بعد الغاء قوانين الاصلاح الزراعي التي وضعها نظام عبد الناصر ، فقام ابن الباشا في تقسيم الأرض التي مازالت أراضي زراعية ولكنة قسمها الى شوارع واسعة وشوارع أقل ، كل ذلك تقسيم ضمني هو يعرفه ونحن نعرفة ، ولا يراه القانون أو السلطات ، فتشكلت منطقتين منطقة المسافرين الى أمريكا حيث اشتروا أماكن بجوار بعضهم البعض وهي الأماكن الأفضل وبالطبع الأغلى ، واذدادت غلو ، عن منطقة المسافرين الى ايطاليا الذين اشتروا هم أيضا بجوار بعضهم البعض .فبدأت تتشكل ضاحية الأمريكان وضاحية الايطاليين في قريتنا.وهذه هي الطريقة التي جاء وزير الاسكان المصري بعد عشر سنوات من تطبيقها في قريتنا ليعممها على مستوى مصر ليحل اشكال الاسكان ، ومشكلة البناء على الراضي الزراعية . بأن تنظم الدولة عملية البناء عن طريق تنظيمها وتخطيطها للقرى كي تتمدد غير الطريقة القديمة التي تتم على أي حال ولكن بدون تخطيط وتهدر الكثير من الأموال والأراضي .

كنت أنظر الى صالة الانتظار في مطار مدريد ، أتجول فيها أبحث عن المخارج والمداخل التي طالما استمعت الى قصص وحكايات في قريتي عن ابن أبوطشت الذي استطاع الهروب من مطار مدريد الى داخل اسبانيا ، وعليا أن أضع في ذهني ماذا لو لم أوفق في رحلتي الى أمريكا ، فلربما أحتاج للهروب من هذه الصالة في رحلة رجعتي ، فأي شي يمكن أن أفعلة أفضل من العودة مرة أخرى الى القرية خائب ، فهذه العودة هي الموت نفسة .

 

         اللهم أخذي الشيطان ، فنحن في رحلة نريد أن تكون وقنوات اتصال دعواتنا للسماء ، “سالكة” لا يعكر صفهوا ،أثام أو ذنوب ،بدأت أتجول في داخل الصالة ، بحثا عن مكتب شركة الطيران ، لأسال عن البوابة التي سنستقل منها الطائرة الثانية ، ومتى بالتحديد ، موعد الطائرة ، وكذلك بحثا عن دورة المياه.

داخل دورة المياه النظيفة والانيقة، أغلقت الباب ورائي وفي حذر بدأت أفك حزام بنطالوني ،وأتحسس الفتحة السرية التي أخفي حزام داخله ورقات من الولارات من فئة المئة دولار ، مجموعها ثلاثة ألاف وربعمائة دولار، تكافة جزء من رحلة التهريب حتى أن يفرجها الله بالباقي ، من أحد الأصدقاء أو الأقارب الموجودين في أمريكا . انتابتني رعشة حينما خطر على ذهني وماذا لو لم يستطع أحد أويريد أن يساعدني فماذا سوف أفعل ؟ وكيف سأكمل المسير؟ فهذا عدنان وابن أخته راشد أخوته وأبناء عمومته في نيويورك ، وهذا محمد الكفراوي يردد أن أخيه جاهز لكل التكاليف حيث يعمل بالسعودية .فلم أخبر أحد في أمريكا أن مسافر ولم أخذ وعد من أي منهم أن يتكفل ببقية تكلفة رحلتي. وحاولت أن أحصل على رقم تليفون ابن عمتي الموجود في أمريكا من أمه . فذكرت لي أن ليس عنده تليفون محدد له حيث قد غير السكن .وجدت الحرارة بدأت تزداد هي الأخرى داخل دماغي وداخل دورة المياة ، فانطلقت هاربا الى الخارج.


إجراءات

Information

تعليق واحد

10 07 2015
بجاد محمد علي الطوبي

أنا بصراحة إنبهرت جدا بالرواية وبقربها الشديد الملاصق للواقع المعاش في مصر وأرجو أن نقرأ الرواية التالية تاكسجي في نيويورك أنا من الصعيد يا أستاذ جمال وكل صفحة قرأتها من روايتك “تسلل” شعرت معها بالواقع أرجو أن تعلم أنني من أشد المعجبين بما كتبت وارجو لك التوفيق ولي سؤال هل لو عاد بك الزمن مرة أخرى ستعود لما فعلت في تسلل أم لا

أضف تعليق